أشهر روائى فى العالم مصاب بالألزهايمر! يالله، معقول جابرييل جارثيا ماركيز هذا الجواهرجى الفنان الرائع الذى حلق بذاكرتنا فى عوالم مدهشة لم نكن لنعرفها لولا عبقريته، معقول أن يظل قابعاً فى جنوب المكسيك لا يعرف أن الرواية الملقاة على مكتبه وعليها توقيعه هى روايته، وإبداعه، التى طالما حلم الناشرون ولو بفصل منها! كان يعرف أن الألزهايمر يزحف، لذلك سابق الزمن وكتب أول جزء من مذكراته والتى باعت مليون نسخة فى طبعتها الأولى ليثبت للدنيا أن الفنان ضد الألزهايمر وضد النسيان، كان يعرف، بعد أن أصيب بالسرطان، أن نهايته تقترب، وأن إعلان وفاته الحقيقى هو يوم توقفه عن الكتابة، فسارع بكتابة خطاب وداع أعتبره تحفة فنية مستقلة، لنقرأ معاً رسالة الوداع التى نشرها ماركيز قبل أن ينسى من هو ماركيز.

«لو شاء الله أن ينسى أننى دمية من خرق، وأن يهبنى حفنة حياة أخرى، سوف أستغلها بكل قواى. ربما ما قلت كل ما أفكر فيه لكننى حتماً سأفكر فى كل ما سأقوله، وسأمنح الأشياء قيمتها، لا لما تمثله، بل لما تعنيه، سأنام قليلاً، وأحلم كثيراً، مدركاً أن كل لحظة نوم خسارة لستين ثانية من النور، وسوف أسير فيما يتوقف الآخرون، وسأصحو فيما الكلُّ نيام، لو شاء ربى أن يهبنى حفنة حياة أخرى سأرتدى ملابس بسيطة وأستلقى على وجه الأرض عارياً، ليس من جسدى وحسب بل من روحى أيضاً، وسأبرهن للناس كم يخطئون لو اعتقدوا أنهم لن يكونوا عشاقاً متى شاخوا، فهم لا يدرون أنهم يشيخون إذا توقفوا عن العشق.

للطفـل سـوف أعطى الأجنحة، لكننى سأدعه يتعلَّم التحليق وحده، والكهول سأعلِّمهم أن الموت لا يأتى بسبب السنِّ بل بفعل النسيان، لقد تعلمت منكم كثيراً أيها البشر...

تعلمت أن الجميع يريدون العيش فى القمة غير مدركين أن سرَّ السعادة فى كيف نهبط من فوق، وتعلَّمت أن المولود الجديد حين يشد على إصبع أبيه للمرَّة الأولى يعنى أنه أمسك بها إلى الأبد، تعلَّمت أن الإنسان يحق له أن ينظر من فوق إلى الآخر فقط حين يجب أن يساعده على الوقوف، بل تعلمت منكم أكثر! لكن، قليلاً ما سيسعفنى ذلك، فما أن أنهى توضيب معارفى سأكون على شفير الوداع.

قل دائماً ما تشعر به وافعل ما تفكِّر فيه.

لو كنت أعرف أنها المرة الأخيرة التى أراكِ نائمة كنت آخذك فى ذراعىَّ وأصلِّى أن يجعلنى الله حارساً لروحك. لو كنت أعرف أنها دقائقى الأخيرة معك لقلت: أحبك، ولتجاهلت، بخجل، أنك تعرفين ذلك.

هناك بالطبع يوم آخر، والحياة تمنحنا الفرصة لنفعل خيراً، لكن لو أننى مخطئ وهذا هو يومى الأخير أحب أن أقول كم أحبك، وكم أننى لن أنساكِ. لأن الغد ليس مؤكداً لا للشاب ولا للكهل. ربما هذا آخر يوم نرى فيه من نحب، فلنتصرَّف، لئلاَّ نندم لأننا لم نبذل الجهد الكافى لنبتسم، لنحنَّ، لنطبع قبلة، أو لأننا مشغولون عن قول كلمة فيها أمل.

احفظوا قربكم ممن يحبكم وتحبُّون، قولوا لهم همساً إنكم فى حاجة إليهم، أحبوهم واهتموا بهم، وخذوا الوقت الكافى كى تقولوا: نفهمكم، سامحونا، من فضلكم، شكراً، وكل كلمات الحب التى تعرفونها، لن يتذكر أحد أفكاركم المضمرة، فاطلبوا من الربِّ القوة والحكمة للتعبير عنها. وبرهنوا لأصدقائكم وأحبائكم محبَّتكم لهم».